كنيسة الكاثوليك بالشورانية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مايكل اسعد يرحب بكم فى منتدى كنيسة مارجرجس الكاثوليك بالشورانية بسوهاج ...الموقع تحت الانشاء انتظرونا...شفيع المنتدى البابا يوحنا بولس الثانى


    كيف اعطى قيمة لنفسى

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 125
    اهلا بكم ...مايكل اسعد : 0
    تاريخ التسجيل : 28/01/2010

    كيف اعطى قيمة لنفسى Empty كيف اعطى قيمة لنفسى

    مُساهمة  Admin الخميس يناير 28, 2010 6:24 pm

    كيف أعطي قيمة لنفسي؟



    الأب فرانس فاندرلوخت اليسوعي

    الكتابة والتلخيص والنقل إلى اللغة الفصحى

    د.عادل شربل خضري





    يحتاج الإنسان كي ينطلق ليعيش حياته بشكلٍ سليمٍ إلى أن يشعر بقيمة نفسه. وإن شعوري بقيمة نفسي هو المنطلق الأساسي لعلاقاتي مع نفسي وجسدي ومع الآخرين ومع الله. فالعلاقات السليمة تقوم بين أشخاصٍ لكلٍ منهم قيمته الخاصة والمميزة.

    وعليَّ هنا أن أنطلق من نفسي فأشعر بقيمتي الذاتية، دون أن أنتظر من الآخر أن يشعرني بقيمتي. فإذا لم يحبني الآخر لم يعد بوسعي أن أتوقع منه أن يساعدني فيشعرني بقيمتي. فإذا لم يرضَ الآخرُ بقيمتي، فلن يُشعرني بأني شخصٌ ذو قيمة...

    وإذا رفضني الآخر فعليَّ أن أبقى كما أنا شجرةً مثمرةً. فأنا موجودٌ سواءٌ قبلني الآخر أم رفضني...

    أما إذا لم أنطلق من قيمتي الخاصة والمميزة في علاقاتي مع الآخر، فلن أنطلق من شجرةٍ مثمرةٍ بل من فراغ... ولأنني أرفض نقصي، فسأسعى لأن أملأ فراغي بالآخر. أي أنني سأكون بحاجةٍ إلى الآخر كي أستمد قيمتي منه. وهذا خطأ!

    ويحتاج الإنسان إلى هذا النوع من العلاقات الخاطئة كي يتهرب من عزلته... كي يتهرب من مواجهة ذاته! وسنحاول فيما يلي أن نتبيَّن بعضاً من العلاقات الخاطئة السائدة في مجتمعنا عن طريق بعض الأمثلة، كي نعيَ أهمية ودور قيمة الإنسان التي يعطيها لنفسه في علاقاته وفي حياته...

    ليس من السهولة بمكانٍ أن تجد امرأةً تصلح لتكون أماً لأولادك في الولايات المتحدة. لذا يلجأ المغتربون إلى الزواج بنساءٍ من بلادهم الأصلية، كي يتعاملوا معهن وفقاً لعاداتهم وتقاليدهم. ففي مجتمعنا مثلاً، تتطلب تربية الأولاد من المرأة أن تتفرغ تفرغاً كاملاً لذلك، وبالتالي يتوجب عليها أن تترك عملها، وتبقى في المنزل. أما الرجل، فيقع عليه عبء العمل وتأمين مصاريف العائلة. وبعد فترةٍ تعتمد المرأة كلياً على زوجها في تأمين معيشتها، فهي لا تعمل ولا تمتلك مصدراً للدخل المادي، وغالباً لا تمتلك مصدراً للتجدد الروحي. شيئاً فشيئاً تحس المرأة بأنها عديمة القيمة، وظيفتها الوحيدة في الحياة هي أن تكون أماً للأولاد وخادمةً في البيت وحسب. أما زوجها فهو صاحب قيمةٍ كبيرةٍ إذ هو مديرُ معملٍ مثلاً. فتعيش المرأة أكثر فأكثر من خلال زوجها كلياً، وتموت فيه، فهي لا تعيش إلا من وراء شخصيته المعروفة.

    هذا الوضع لا يستمر فهو غير سليمٍ. وسرعان ما تلاحظ المرأة أن زوجها يقوم بعلاقاتٍ كثيرةٍ مع نساءٍِ ذوات قيمةٍ عالية – مديراتٌ مثلاً – وبما أنها تظن أنها لا تستحق الحب، فهي تُسْقِطُ عدم حبها لذاتها على زوجها. فكيف سيحبها زوجها وهو يقابل نساءً ذوات قيمةٍ أكبر منها؟ لابد أنه سيحبهن أكثر منها! وهنا تسقط المرأة في الغيرة والحسد مما يدمر العلاقة. وقد يصل بها الأمر إلى أن تراقب هاتفه الجوال كي تتأكد من إخلاصه! فكيف سيظل مخلصاً لها إذا وجد امرأةً أحسن منها بكثير؟



    ماذا فعلت هذه المرأة حتى استعادت قيمة ذاتها المفقودة؟

    لقد اكتشفت ذاتها مجدداًَ من خلال عيش خبرة تجددٍ روحيٍ، وذلك من خلال ممارسة اليوغا والتأملات الروحية. وبعد فترةٍ استعادت ثقتها بنفسها، وبدأت تعامل نفسها على أساس أنها تستحق الحب. وبالتالي عادت تعامل زوجها على أساس أنه يحبها، فلا داعي لأن تراقبه باستمرارٍ خوفاً من علاقاته الأخرى...

    قد تنطلق العلاقات البشرية من عدم الشعور بالقيمة. وفي المجتمعات الشرقية كثيراً ما يكون التعلق بين الأم وابنها تعلقاً مرضياً، لأن الأم لا تحس بقيمتها إلا من خلال ابنها. وبالتالي تعيش من خلاله، فتموت فيه أو تجعله يموت فيها.

    إجمالاً يستقبل الأهل الابنة الأولى بالترحاب، لأنها ستساعد أمها في أعمال المنزل. وتبرد حرارة استقبال الابنة الثانية لأن الأهل يريدون صبياً. أما الابنة الثالثة فهي الأقل شعوراً بقيمتها. لكن الابنة الرابعة تشعر بقيمتها إلى حدٍ ما، فهي دائماً مدللة: (كربوجة وغنوجة ورح تْطَّلَّعْ علينا بس ما نكبر!). وإذا جاء صبيٌ بعد الفتاة الرابعة فإنهن يفقدن قيمتهن جميعاً! وهنا تتساءل الفتيات لماذا يستقبل الأهل الصبيان أحسن بكثيرٍ من استقبالهم للبنات؟ وقد يشعرن (بحسب فرويد) أن عدم امتلاكهن للقضيب الذكري هو السبب! وبالتالي ترغب بعض الفتيات بأن يصبحن صبياناً! حتى أن بعض الفتيات يخبئن صدورهن ويتصرفن كالصبيان ويحاولن أن ينجحن أكثر منهم. لذا غالباً ما نجد البنات في المدارس أكثر تفوقاً من الصبيان! ربما لأن البنت تدفعها رغبتها بالثأر من الصبي فتصير أحسن منه في مجاله وتنتقم منه!

    وإذا كبرت البنت ولم تكتشف قيمتها كأنثى، ولم يعرف زوجها كيف يشعرها بقيمتها كأنثى، فإنها تريد أن يكون ابنها لها، فربما تصير ذكراً من خلاله بطريقةٍ ما! وهذا هو مفهوم الأم القضيبية بحسب فرويد: الأم القضيبية هي التي تتماهى بالابن كي تأخذ من رجولته شيئاً ما. كذلك الأب يريد البنت من أجل نفسيته لكي يأخذ من أنوثتها شيئاً ما، فيعيش قرينته الأنثوية من خلالها. لكن الحالة الأولى أكثر انتشاراً من الحالة الثانية.

    أما بالنسبة للمجتمع، فإنه يساهم في تعميق هذه النظرة الخاطئة إلى الأنثى! المجتمع يقول: أنتِ أم سامي، ولا يقول: أنتِ أم نجاة. لذا تشعر الأم بأنها تستمد قيمتها من أبنائها وليس من بناتها! فلابد إذا أن يصير الابن كما تريده هي كي تستمد أكبر قيمةٍ ممكنةٍ منه. لذا قد تتعلق الأم بابنها تعلقاً فظيعاً، ولا تقوى على العيش بدونه. فلا تسمح هذه الأم لابنها بأن يبتعد عنها كثيراً كي تستطيع أن تربيه كما تريد! أما الابن فهو يكبر ويشعر بأنه سجينٌ في حضن الأم وعالمها، وهذا الأمر خطيرٌ للغاية! فإذا لم يتماهى الابن بأبيه فإنه يتماهى بالقرينة الذكرية لأمه، ويأخذ عواطفها وميولها الجنسية، ويميل لأن يصبح رجلاً مثل أمه! فالأم تعمل المستحيل لئلا يبتعد ابنها عنها، وترفض أن يقوم الصبي بعلاقةٍ أخرى مع غيرها بدون أن تعرف، فهي تراقبه كي تعرف كل ما يجري عنده. بل إنها تراقبه حتى في علاقته مع أبيه! ولا تقبل أن يلعب ابنها مع الأولاد الآخرين الذين لا يعجبونها ( حتى ما يطلع أزعر متل رفقاتو بالشارع! ). يرغب الصبي بأن يعيش كصبي، لكن أمه لا تسمح له بذلك، فهي تراقبه باستمرارٍ مراقبةً لصيقةً، ولا تسمح له بالتحرك بحرية. بل إنها ترغب بأن تعرف ماذا يختلج في أعماق ابنها. إنها تسأله بماذا يفكر وأين يسرح بخياله كي لا يفوتها أي شيء! وإذا ابتعد ابنها عنها قليلاً فإنها تلجأ للتهديد والوعيد، فإذا لم ينفع معه فإنها تلجأ للتذنيب: ( بعد ما عملتلك كل هاد بتروح بتبعد عني؟ رح بطل أحبك! ). هنا يتعلق الابن بأمه لأنها متعلقةٌ فيه، وليس لأنها تستحق الحب. هذه مثليةٌ في التعامل وليست حباً. هذه علاقة امتلاك وليست علاقة حب. إن هذا الأسلوب في التعامل شائعٌ كثيراً، ولكن ليست كل علاقة أمٍ بابنها هكذا.

    وقد تظل الأم مستيقظةً طوال الليل، ولا تنام قبل ابنها كي تراقبه باستمرارٍ ماذا يفعل. هذا الابن لا يحس بالحرية، وبالتالي لا يحس بقيمته الشخصية. فيروح يتماهى بصورة الأم عن الرجال بدلاً من أن يكون ذاته. الابن هنا لا يشعر بأنَّ عمله ذو قيمةٍ إلا إذا عمل ما تريده أمه، لأنه يظن أن كيانه كله يستمد قيمته من أمه وحسب. هذا الابن تعوزه الثقة بالنفس ولا يشعر بأية ثقة!

    فيما بعد يكبر الابن، وقد يرغب بالزواج. فماذا يكون موقف الأم في هذه الحالة؟ غالباً تبذل الأم كل جهدها لإفشال المشروع بطريقةٍ أو بأخرى، فقد تطالب ابنها بواجباته تجاهها بطريقةٍ تجعله يشعر بالذنب تجاهها: ( بدك تاخد وحدة بديلة عني؟ بدك تبتعد عني؟ أنا ويني أنا؟ ألكنة بتجني بحياتنا! ). وقد تقوم الأم باختيار العروس بنفسها، بحيث تكون ابنةً لها قبل أن تكون زوجةً لابنها. وهكذا تسيطر الأم على الزواج ومن ثمَّ على الأحفاد، وتكون متيقنةً من أن زوجة ابنها لن تبعده عنها، طالما أنها هي أيضاً تسمع كلامها وتخضع لأوامرها...

    وكثيراً ما نرى في الزواج أن الزوج لا يقف بجانب زوجته ضد أمه عندما تقع مشكلةٌ ما بين الأم وكنَّتها. بل إنه ينحاز إلى جانب أمه رغماً عنه، ولو كان الحق مع زوجته.

    وقد لا تسمح الأم لكنتها بأن تصير أماً، فلابد أن تبقى ابنةً لها وحسب. كذلك قد لا تسمح لابنها بأن يصير أباً كي لا يستقل بأسرته وينفصل عنها. فعندما يأتي الأحفاد فإنهم يشعرون بأن الجدة تسيطر على كل العائلة، ويشعرون بأن أباهم وأمهم ضعفاء. وبالتالي لا يرون فيهما شخصين قويين ذوي قيمة. لذا يسعى الأحفاد إلى تقوية علاقتهم بجدتهم كي ترضى عنهم، وبالتالي يستطيعون أن يفعلوا كل ما يحلو لهم. فالأهم بالنسبة لهم هو جدتهم وليس والداهم.

    كذلك قد يشعر الأولاد بأن أباهم شديد الضعف أمام جدهم. فقد يقوم الرجل بنفس الدور الذي تقوم به المرأة في المثال السابق، فيسعى ليكون الأب المطلق في العائلة. لكن الحالة الأولى تصادف أكثر من الحالة الثانية في مجتمعنا.

    هكذا يكون الوضع العائلي في كثيرٍ من الأحيان! كم من الضروري أن تحس الأنثى بقيمتها كفتاةٍ وكامرأةٍ قبل الزواج، كي تعرف كيف تعطي قيمةً لنفسها بشكلٍ سليمٍ بعد الزواج بدلاً من أن تستمد قيمتها من ابنها... فكم يصعب على الابن الذي تستمد أمه قيمتها منه، أن ينمو ويصير شاباً ورجلاً وزوجاً ومن ثم أباً...

    هذه الأم تدخل في الحياة الزوجية ككائنٍ مخصي! فهي تريد أن تموت بأولادها لتعيش. إنها تبالغ بالتعلق بأولادها، ولا تستطيع أن تودعهم بسهولةٍ، فهي تموت إذا ابتعدوا عنها. بل كثيراً ما تمرض هذه الأم بشكلٍ لاواعي كي يهتم بها أولادها ويبْقَوا بجانبها فلا يبتعدون عنها. ليت هذه الأم تحس بقيمتها التي تستحقها انطلاقاً من ذاتها... ليت المرأة تأخذ حقها وقيمتها في المجتمع بدلاً من أن تُظْلَمَ هكذا...

    إذا أردت أن أعيش بشكلٍ سليمٍ، فلابد أن أحس بقيمتي الذاتية. لا يجب أن أنتظر من إنسانٍ آخر أن يحبني بلا حدود أو أن يُتَيَّمَ بحبي، فهذا الحب وهمٌ ليس إلا. فأنا أعيش انطلاقاً من نفسي وليس انطلاقاً من أي إنسانٍ آخر. فماذا لو اكتشفت فتاةٌ أنها لا تشعر بقيمتها كأنثى؟ ماذا لو اكتشفت امرأةٌ أنها لا تستطيع أن تعيش من دون زوجها؟

    إذا لم تستطع المرأة أن تعيش بدون الرجل، فهي لن تستطيع أن تعيش معه! لا بل ستعيش من خلاله، وبمعنى آخر ستموت فيه... لا يجب أن أنتظر من زوجي أن يحبني كثيراً، ولا يجب أن أستسلم للواقع فأندب حظي وظروفي نائحاً لأن الفرصة راحت عليَّ. من المهم أن تخرج المرأة من المنزل وتكتشف قيمتها مجدداً. حتى الأم التي تضحي من أجل أولادها لابد أن تجد وقتاً لنفسها وتخرج من المنزل. فالأم التي تشعر بأنها تضحي أكثر مما تشعر بقيمتها، هي تبذل أكثر من طاقتها، ولابد أنها تهمل نفسها إلى حدٍ ما. هذه الأم تتساءل لماذا يأخذ زوجها وأولادها كل شيءٍ منها، ولا يقدمون لها شيئاً كأم؟ من المهم أن تنطلق المرأة خارج المنزل كي تشعر بقيمتها كأنثى وكإنسان. يمكنها أن تعمل عملاً ما وتحصل على بعض المال، فقد لا تحس الفتاة بقيمتها في الجامعة، لكنها لابد أن تحس بقيمتها في العمل بما أنها ستساهم بجزءٍ من مصروف المنزل، وستنفذ واجباتها في العمل، فترتقي على سلم النجاح، وتحقق طموحها قدر الإمكان. كما يمكنها أن تنضم إلى جمعيةٍ أو أخويةٍ ما. ربما يحصل التباسٌ في المنطلق، فلماذا تضيع وقتها بالعمل مع المحتاجين والمعاقين إذا كانت تحتاج للشعور بقيمتها؟ برأيي، عندما أعمل من أجل الآخرين، فأنا أحس بقيمتي، وتكتسب نفسي غنىً، فأخرج من جو البيت الخانق...

    لابد أن أعطي قيمةً لكلامي إذا أردت أن أعطي قيمةً لنفسي. ولعل أهم ما يميزنا كبشر عن الحيوانات الأخرى أننا نستخدم الكلام في تواصل بعضنا ببعضٍ. كلامي يعبر عني، فإذا كان كلامي بلا نكهة، فهذا يجعلني عديم النكهة أيضاً. وأحياناً لا نعطي قيمةً لكلامنا مع غيرنا، حيث نقضي وقتنا ونحن نتحدث على غيرنا، أو نروي قصصاً لا قيمة لها. لكن هذا الكلام عديم المعنى، فمن السهل أن نتحدث على الآخرين.

    وربما لا نعطي قيمةً لكلامنا لأننا سمعنا في صغرنا الكثير من الأحكام السلبية بحق كلامنا: (اسكت... لا تتكلم... ما هذا الكلام عديم النفع...). فنصدق هذا النقد القاسي، ونسمح له بأن يقمعنا. فتبقى أحاديثنا عديمة القيمة لأننا نظل ندور بحلقة مفرغة من الكلام الفارغ، ونستمر بسماع الأحكام السلبية بحقنا وبحق كلامنا. فكيف نخرج من هذا المضمار؟ يمكننا أن نحس بقيمة كلامنا إذا أصغى إلينا أحدٌ ما. وبالتالي نشعر بأن لنا قيمةً مهمة. إن كلامي هو أنا بالنسبة لي! فإذا أعطيت قيمةً لكلامي فإنني أحس بقيمتي الإنسانية. وعندما أبحث عن قيمتي، فإنني أحتاج إلى شخصٍ ما كي يصغي إليَّ.

    وإذا كنتُ أصغي للآخر، فإنني أساعده كي يتكلم انطلاقاً من ذاته، وبالتالي يفيض كلامه بالمعاني ويصبح ذا قيمةٍ. لابد أن يصغي إلي شخصٌ ما. فكلامي مهمٌ جداً! هذا كلامي أنا، وهو ليس كلاماً لا طعم له!

    من الضروري أن أصغي لنفسي. لابد أن أتساءل عما أريد وعما أرغب أن أعمل وعمن أكون أنا! لابد أن أعمل ما أريد بدلاً من أن أعمل ما يريده زوجي وأمتنع عن عمل ما لا يريده! ليس المقصود أن تمتنع المرأة عن أن تأخذ بعين الاعتبار ما يريده زوجها، بل المقصود أن تأخذ بعين الاعتبار ما تريده هي أولاً كي تحس بقيمةٍ من خلال عملها. وهذا لا يعيق التفاهم والتناغم مع الزوج!

    من المفيد أن أرفع مستواي الثقافي إذا أردت أن أعطي قيمةً أكبر لنفسي. يمكنني أن أنهل من الغنى الإنساني من خلال قراءة الكتب أو تصفح الانترنت. لقد ارتفع مستوى حديث الكثير من النساء في أوربا بعد أن اهتموا بالقراءة والثقافة والدراسة. فلم لا نتعلم نحن أيضاً؟ هل نرفض التعلم لأننا كبرنا وتقدمنا في السن؟ هذا لا يجوز. ليس ضرورياً أن نتعمق في كافة المواضيع ونتبحر فيها، لكن من المفيد أن أبحث عن المعلومات الخاصة بالمواضيع التي تهمني. ويمكنني أن أجلب مقالاتٍ من الانترنت أو أقرأ الكتب، فإذا تعمقت في موضوعٍ معينٍ فإن كلامي عن هذا الموضوع يأخذ قيمةً أكبر. وبالتالي كلما تثقفت أكثر فإنني أحس بقيمتي أكثر...

    لابد أن ننتبه إلى نوعية صداقاتنا، فالصداقات السليمة تغنينا وتجعلنا ننفتح على الآخرين بحريةٍ وفرح. الصداقة تشعرني بقيمتي وتعطي معنى رائعاً لحياتي، فصديقي يصغي إلي لأنه يهتم لأمري. وهكذا كلما وجدت أصدقاء أكثر فسأحصل على إصغاءٍ أكثر. هذا طبعاً إذا تصرفنا كلٌ على طبيعته وقبِلْنا بعضنا بعضاً ببساطةٍ وفرحٍ من دون تصنعٍ ولا تمثيل. أما عندما نمثل على بعضنا فإننا نقوم بذات الأدوار وبنفس النمط كل مرةٍ، وحتى لو غيرنا الأدوار فلن يحصل أي شيءٍ جديدٍ في الجوهر. هناك مجموعةٌ من النساء في حمص رفضن أن يظل حديثهن في خانة (الحكي على الناس). لقد أدركن أن الكلام على الآخرين لا مضمون له. فقررن أن يشكلوا مجموعةً من الأصدقاء تصغي بعضهن لبعضٍ، لقد أحبت كل واحدةٍ الأخرى كما هي. بعد فترةٍ صرن يبحثن عن شيءٍ من الاستقلالية الأنثوية ضمن هذه الجماعة، صرن يبحثن عن أفضل وضعٍ في هذا الوضع! وإن كل امرأة منهن تحس بقيمتها أكثر من خلال هذه الجماعة... وقد انعكس هذا بشكل كبير على علاقاتهن الأخرى، فتحسنت علاقاتهن بأزواجهن كثيراً!

    ومن المفيد أن نعود إلى طفولتنا كي نتذكر ما كنا نحب أن نعمله. ربما أحببت في طفولتي سماع الموسيقى أو ممارسة الرياضة. وإنني أحس بقيمتي عندما أمارس هوايةً أحبها. لكن العديد من النساء فقدن الإحساس بقيمتهن من خلال ممارسة هواياتهن لأنهن أهملن ممارستها بعد زواجهن، إذ بِتْنَ ينتظرن الشعور بقيمتهن من خلال أزواجهن وحسب. فلم لا يمارسن هواياتهن الآن؟ بعض النساء يرفضن ذلك ويبررن موقفهن هذا بأنهن كبرن في السن: (ختيرنا... كتير بشعة!). هل يمنعني كبري في السن عن أن أعيش حياتي كما هي؟ هل يمنعني عن أن أقبل وضعي كما هو؟ (يعني إذا ختيرنا راحت علينا؟).

    المهم أن أبحث عما يعنيني حقاً... عما يسرني وجوده في حياتي...

    بعض الناس يهملون جسدهم ولا يعطونه الانتباه اللازم. فيصبحون نحيلين جداً لأنهم لا يمنحون جسدهم حقه من التغذية السليمة والاهتمام. والبعض الآخر يصبحون شديدي البدانة لأنهم لا ينتبهون لصحتهم بالشكل اللازم. ربما أحسوا بنقصٍ وجوديٍ فقاموا بملء فراغهم ونقص كيانهم من خلال تناول الطعام. وربما يشعرون بأن حياتهم لا طعم لها، فيعوضون ذلك بتناول الأطعمة ذات الطعم اللذيذ. أعرف أماً تعيش لوحدها في المنزل، وتقوم في كل ليلةٍ لتفتح البراد، فصارت في نهاية المطاف برميلاً محترماً. والمشكلة أنها تدافع عن عملها هذا عندما نسألها عن عواقبه بالسخرية من نفسها: ( بعدين بكب حالي. أنا إذا بموت ما في مشكلة. ببقى بَفَصِّل القبر على قياسي!).

    نلاحظ أن تلك الأم لا تهتم بجمال جسدها وتناسقه لأنها لا تحس بقيمته! لكن اهتمامي بجسدي يساعدني على الإحساس بقيمتي! لذا يمكنني أن أعمل ما يعطيني معنى أكثر لحياتي، فأُزاوِلُ التمارين الراضية بالاشتراك في نادٍ رياضيٍٍ ما، أو أجلب آلةً رياضيةً إلى المنزل وأواظب بالتمرن عليها.

    تقول إحدى النساء: يصعب على زوجي أن يحبني إذا كنت سمينةً. ليس من الضروري أن أصير خفيفةً بوزن الريشة كي يحبني، لكن من الضروري أن أحقق حداً أدنى من الاهتمام بجمال جسدي وتناسقه كي يحبني!

    الجسدُ مهمٌ جداً. لكن لا يكفيني أن أُجَمِّلَ نفسي من الخارج وحسب. لابد أن أشعر بجمالي الخارجي والداخلي معاً... والحياة الروحية ضرورةٌ لكل إنسانٍ كي يحس بقيمته وبجماله الداخلي. لأنني إذا أدركت أن الله موجودٌ في داخلي، فسوف أختبر سلاماً وفرحاً داخلياً وتعزيةً كبرى... أنا ابنٌ حبيبٌ لله! فكم أنا مهمٌ! الحياة الروحية تجعلني أحس بقيمةٍ كبيرةٍ كوني أستمد هذه القيمة من بنوتي لله...

    أما بالنسبة للزواج، فمن الضروري أن أدخل علاقة الزواج دون أن أشعر بحاجةٍ ملحةٍ للزواج! لا معنى للزواج إذا كانت لدي حاجةٌ ملحةٌ لوجود شريكٍ لحياتي! وإذا أردت أن أتزوج، فلكي أغني الآخر بغناي، دون أن أنتظر شيئاً منه، وإن كنت أتمنى أن يقدم لي الآخر من غناه. هذا طبعاً إذا وُجِدَ عنده غنىً، وهنا أسمح للآخر بأن يُغْنِيَني من غناه، ففي الزواج الناجح أُغْنِي الآخر، وأستقبل غنى الآخر... لكن لابد أن أحس بقيمتي الذاتية قبل الزواج، وإلا فلن أحصل على زواجٍ ناجحٍ. أما الفتاة التي تهتم بأن تتزوج وحسب، فلن تكسب نفسها بل ستخسرها، خصوصاً إذا تخلت عن رغبتها بالعمل كي تتزوج! فكيف ستحس بقيمتها الذاتية إذا لم تعمل؟

    إذا أردت أن أحصل على علاقةٍ متزنةٍ تغني حياتي وتعطيها معنىً فريداً، فلابد أن أعطي قيمةً لنفسي أولاً، من خلال العلم والعمل واللغات الأجنبية والكومبيوتر وممارسة الهوايات المفيدة والصداقات والكلام المفيد. لابد أن أتساءل عن كل ما أحب أن أعيشه كي أشعر بقيمتي الذاتية كإنسانٍ قبل الدخول بالعلاقة. فإذا كنت امرأةً فلابد أن أعيَ أنوثتي، وأؤمنَ أنَّ الرجلَ يعترفُ بأنوثتي التي تفيض مني! لا فائدة من التضحية بأنوثتي، فلابد أن أعترف بها، وبالتالي يعترف الرجل بها!

    برأيي الشخصي، خيرٌ للمرأة ألا تتزوج من أن تتزوج زواجاً خاطئاً فاشلاً، وتعيش بالتالي علاقةً صعبةً مدى حياتها...لابد أن تعي المرأة أنها حرةٌ تجاه العلاقة مع الرجل، فلا داعي للافتراض أنها تحتاج إلى الرجل كي تعيش حياتها! لابد أن تهتم المرأة بنفسها أكثر من أن تهتم بإرضاء الرجل... لذا أقول للمرأة: كوني مرتاحةً مع نفسك، واهتمي بنفسك كما أنت الآن. وإذا اهتممْتِ بنفسكِ وأحببت نفسكِ كما أنتِ، فسينجذب الرجل إليكِ وسيحب رائحة أنوثتك... لكنه لن يأتي إليكِ لكي يخرجكِ من سجنكِ الذي تحبسين نفسكِ فيه، أو الذي تقبلين أن يحبسكِ المجتمع فيه! لا تقولي (يا الله بدي رجُل...) فربما ليس الرجل هو ما تحتاجين إليه الآن كي تعيشي بسعادةٍ وبسلامٍ داخلي! قولي لنفسك: (إذا في في، إذا ما في ما في!). أنا لست بحاجةٍ إلى رجل كي أعيش حياتي... وكذلك بالنسبة للرجل: أنتَ لستَ بحاجةٍ إلى امرأةٍ كي تعيش حياتكَ! فاحرص أن تكون حراً تجاه العلاقة مع المرأة...





    أحياناً تتساءل الأم: ماذا سنفعل بك إذا لم تتزوجي؟!

    يمارس المجتمع والعائلة ضغوطاتٍ كبيرةً على الفتاة بعد عمرٍ معينٍ كي تتزوج، ويلجؤون في بعض الأحيان إلى زرع الخوف من عدم الزواج في قلب الفتاة. الخوف من عدم الزواج خطأٌ كبير. وإذا أرادت المرأة أن تتزوج فلتتزوج، أما إذا لم ترد الزواج فلا داعي لإرغامها عليه!

    لابد أن تعيش المرأة حياةً لها قيمة، حتى ولو لم تتزوج! الأفضل للمرأة ألا تتزوج ويكون لها مصدر حياتي فعالٌ وخلاقٌ ومصغٍ لها، وأن تُؤَمِّنَ عيشها مادياً بالعمل، فتعيش حياةً ذات قيمةٍ كبيرةٍ بدلاً من أن تموت وهي حيةٌ كأم سامي في المثال السابق... أليس هذا الوضع أفضل بالنسبة لها وللمجتمع الذي تعيش فيه؟! ألن تحب نفسها ويحبها الناس أكثر هكذا؟!

    أحياناً يحاول الرجل، سواءٌ كان أباً أم أخاً أم صديقاً أم رجلَ دينٍ، أن يعطي فرصةً للمرأة كي تكتشف قيمتها. ولكنه يصطدم بقرارٍ عنيدٍ من المرأة بالتمسك بسطحيتها! (على نفسها حنت براقش) ويبدو أن المرأة قد أُخْضِعَتْ وبُرْمِجَتْ منذ صغرها على أن تنظر إلى نفسها بطريقةٍ سلبية! يا للظلم الذي تتعرض له المرأة...

    وأحياناً يحاول الزوج أن يعطي زوجته الفرصة كي تكتشف قيمتها، فإذا رفضت ذلك تعرض الزواج إلى مشاكل كبيرة! قد تكتفي المرأة بالمكتسب بدون أن ترغب بالنمو والتقدم! وقد تخاف من الطور فتبتعد عن الكومبيوتر وغيره من رموز الحضارة الحديثة وتقع في فخ العناد والكسل... أليس من الأفضل للأولاد أن يجدوا أماً غنيةً بالشكل والمضمون؟ ألا ينعكس خيراً على شخصيتهم أن ينموا بحضورٍ فعالٍ لأم منفتحةٍ بثقةٍ على نفسها وعلى الآخرين؟ إذا أراد الرجل للمرأة أن تتقدم وتعطي قيمةً لنفسها فذلك ليس فقط من أجلها هي بل من أجله هو أيضاً! فهذا الرجل يبحث كالعديد من النساء عن علاقةٍ أكثر غنىً بالمضمون، وليس بالشكل وحسب!

    وأحياناً تريد المرأة أن تتطور لكنها تصطدم بمعارضةٍ كبيرةٍ من زوجها. فلماذا يعارض الرجل تقدم المرأة إذا كان تقدمها ينعكس خيراً على علاقته بها وعلى الأولاد؟ في الحقيقة، يخشى الرجلُ المرأةَ القويةَ، ويخاف أن تسبقه، فقد يقع الرجل أيضاً في فخ العناد والكسل. وبالتالي يحاول أن يمنع المرأة من التقدم كي لا تصير أفضل منه بدلاً من أن يحاول أن يتقدم هو أيضاً كي يسيرا معاً جنباً إلى جنبٍ... قد يقول الرجل: ( شو بدي بالمرأة القوية؟ بعدين بصير طرطور وحمار، وهي بتصير غزال! البندورة ما بتمشي مع الثقافة الكبيرة!). كيف نساعد الرجل على أن يتشجع ويتقدم هو أيضاً فيفسح مجالاً للمرأة كي تتقدم؟ لابد أن نقنعه بطريقةٍ ما، بأن ينطلق هو أيضاً ويتطور، بدلاً من أن يظل حبيساً في دكانه أو مكانه الذي يعمل فيه محارباً التقدم... لابد أن يتطور هو أيضاً. المشكلة هنا ليست سهلةً إطلاقاً. وهي مثل المشكلة التي تحصل عندما يريد الزوج من زوجته أن تنطلق فترفض ذلك... من الأفضل أن يدخل الزوج وزوجته بجو الثقافة معاً...

    وإذا رفض الزوج أن تتقدم زوجته، فيجب ألا تخضع له هاهنا. وإذا لم يكن خطر الطلاق موجوداً فلا مانع من النزاع إلى حدٍ ما! أما إذا كان خطر الطلاق موجوداً فلابد من أخذه بعين الاعتبار. لابد أن أوازن بين الربح والخسارة قبل أن أتمرد وأعيش خطر الطلاق... من الأفضل أن أتطور بذكاءٍ دون أن نصل إلى خطر الطلاق! وبنفس الوقت لا يحبذ أن تخضع المرأة إلى رجلٍ متعنتٍ!

    بالنسبة لي، عندما أحاول مساعدة المرأة على أن تعطي قيمةً لنفسها، فإن ردات فعل الرجال تنقسم إجمالاً إلى نوعين:

    النوع الأول يقول: كَتِّرْ خيرَكْ يا أبونا، صار الحديث بالبيت إلو قيمة...

    النوع الثاني يقول: كَتِّرْ خيرَكْ يا أبونا، خلَّصتنا من صرعتهن!



    أسئلة الحضور

    س1:

    كيف يتحرر الابن من سيطرة أمه المتماهية به؟ وإذا كانت الأم مريضةً فما العمل؟ هل يستقل عنها أم يقبل بها كما هي مع تعلقها الخانق؟



    الجواب..

    أحياناً يتمرد الشاب على أمه إذ يعاني ويتعذب من تعلقها الخانق له. فإذا تمرد عليها وابتعد عنها سقط في فخ الخوف من الدخول في علاقةٍ عميقةٍ مجدداً. إنه يخشى أن يرتبط لئلا يختنق بالتعلق الزائد مرةً أخرى. هذا الشاب لا يرتبط بفتاةٍ معينةٍ ويظل يقفز من فتاةٍ إلى أخرى. وحتى إذا ابتعد عن أمه وتزوج فإنه يرفض التعلق الشديد بزوجته لأنه يخنقه!

    والحل هنا يكون بأن يعي الشاب أن تعلقه الشديد بأمه هو تعلقٌ مرضيٌ وسوف يُمْرِضُ حياته الزوجية في المستقبل... وإذا امتلك الوعي الكافي فإنه يبتعد عن أمه قليلاً ولكن ليس دائماً. وسيحل عليه غضب الأم بكل تأكيدٍ وستعصف عليه برعدها وأمطارها. لا بأس بذلك، فهذا لا يهم، المهم أن يتحرر من التعلق المرضي كي يعيش حياته ويصل إلى ملء الحياة. يجب ألا يسمح لأمه بتذنيبه وترهيبه وتهديده بغضب الله وما شابه ذلك. فهو أيضاً متعلقٌ بها بشدةٍ ولا يستطيع أن يساعدها ها هنا. بعد فترةٍ سيتعرف الشاب على فتاةٍ ما، فلا يجب أن يدخل أمه بعلاقته بتلك الفتاة كي يفهمها أن تعلقها الزائد به يميته ولا يدعه يعيش كما يجب. وبذات الوقت على الشاب أن يشجع أمه على أن تجد قيمة نفسها وألا تأخذ قيمتها منه. وعليه أن يساعدها على أن تعيش من شيءٍ آخر وليس من أمومتها له وحسب... لابد له أن يشجعها كي تكتشف علاقةً غنيةً بزوجها أو بأصدقائها، فلابد أن تجد بديلاً له كي يستطيع أن يبتعد عنها دون أن يتركها لوحدها في فراغٍ قاتل! لابد له أيضاً أن يحبها كما هي ويساعدها على أن تجد معنىً لحياتها بلطفٍ وحنانٍ قدر الإمكان، دون أن يقسو عليها أو يحكم عليها. فليتذكر أن ليس ذنبها هي أنها لا تشعر بقيمتها، فهي ضحيةٌ لمجتمعها ولظروفها أكثر منها مذنبة! وعليه أن يتذكر أنه مسؤولٌ أيضاً عن تعلقها الزائد به فهو قد بالغ بالتعلق بها أيضاً، إذ شاركها بالتعلق الزائد! لا ندعو هنا للخنوع ولا لليأس بل ندعو هنا لأن يساعد الشاب أمه كي تكون مستقلةً بنفسها هي أيضاً!



    س2:

    ما هو حد التوازن بين رغبة الأم بتربية أولادها أحسن تربيةٍ وبين قيامها بتحجيم أولادها؟ وخاصةً في حالة غياب دور الأب؟



    الجواب..

    يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود الأب أو عدم وجوده. وإذا كان هنالك غيابٌ لدور الأب في التربية سواءٌ كان الأب حياً أو ميتاً، فقد تخنق الأم أولادها. هذا إذا رغبت الأم بأن تعطي تربيةً مثاليةً لأولادها. إذا أخذت الأم السلطة الأبوية فسيكرهها الولد غالباً! ندعو الأم هنا لأن تتساءل كيف لا تخنق أولادها في ظل غياب دور زوجها تربوياً. نقول للأم: إذا اضطررْتِ إلى أخذ دور الأم والأب معاً، فأنت أمٌ وأبٌ للأولاد. لكنك لسْتِ في الواقع أماً وأباً بالنسبة للأولاد! فلا تخنقي الأولاد... حاولي أن تفهمي أولادك أن تجربوا العيش مسرورين و (مبسوطين) بجو الاسترخاء وليس بجو المثالية... حاولي أن تفهمي الأولاد كيف يعيشون معك هذا الواقع ببساطةٍ دون أن تفرضوا عليه أي مثاليات. الواقع بسيطٌ إجمالاً وليس شديد التعقيد فلماذا نفرض عليه مثالياتنا؟ قولي لأولادك: (خلونا ناخد الأمور ببساطة! كيف بتحبوا تعيشوا معي هالوضع؟ شو بدنا نعمل اليوم تننبسط ونرتاح يا ولادي؟)

    فلا تتساءلي كيف تربين أولادك بمثالية، لأن الأولاد يحتاجون للتربية على البساطة وليس على المثاليات. فالمثاليات تخنق حرية الأولاد لأنها بمثابة حبسٍ لهم!



    فلا تهتمي كثيراً فتتساءلي بقلقٍ عما يتوجب فعله. وإلا تسرب قلقك هذا إلى البيت وإلى نفوس أولادك... إجمالاً لا أكون مسروراً و(مبسوطاً) إذا كنت مثالياً! و المهم في المنزل أن أكون مبسوطاً وليس مثالياً!

    وفي حالة وفاة الأب، يستحسن أن يتواجد ذكرٌ في المنزل: جد، عم، خال... وذلك كي يكتمل النضوج الأوديبي للأولاد!



    س3:

    لقد حدثتنا في هذه المحاضرة عن التعلق المرضي. فهل هناك تعلقٌ سليمٌ؟ وفي حال وجوده فكيف نميز بينهما خاصةً إذا كان التعلق شديداً؟



    الجواب..

    يمكننا التمييز بين التعلق السلبي والإيجابي إذا تساءلنا بصدق عن مضمون هذا التعلق. هل أنا متعلقٌ بالآخر لأنني لا أستطيع أن أخسره؟ أم لأنني لا أطيق أن أعيش من دونه؟ وهل أريد أن أعيش من خلاله؟ هل أريد أن أموت فيه؟ هل أريده أن يموت فيَّ؟ هل أرغب بأن أمتلكه أو أن أسيطر عليه؟ إذا كان الجواب نعم فالتعلق هنا سلبي. ويعني أن العلاقة هنا ليست حباً فهي موتٌ وألمٌ لكلٍ من طرفي العلاقة...

    أما إذا كنت متعلقاً بالآخر لأنني أحبه كثيراً، ولكنني أستطيع العيش من دونه انطلاقاً من نفسي، وأقبل أن يعيش هو من دوني انطلاقاً من نفسه، ومن ثمَّ يمكننا أن نتعلق بعضنا ببعضٍ، فالتعلق هنا إيجابي. بل هذا يعني الدخول في علاقةٍ عميقةٍ وحقيقيةٍ وحيةٍ بين شخصين، كلٌ منهما حرٌ وحيٌ وموجودٌ، ويسعى إلى أن يغني الآخر بغناه، ويقبل أن يغتني من غنى الآخر! وكل هذا بقرارٍ حرٍ منهما... هذه هي علاقة الحب الحقيقي!



    س4:

    جميلٌ أن تعطيَ المرأةُ قيمةً لنفسها قبل أن تتزوج. لكن ألا تلاحظ معي أن الفتيات اللواتي أعطين قيمةً لأنفسهن قبل الزواج، لم تعد لديهن القدرة والصبر على التربية والاعتناء بأطفالهن الذين أنجبوهن بعد الزواج؟ (بصراحة ما بقالهون قلب تيجيبوا ولاد ويربوا!)



    الجواب..

    الأهم برأيي أن تكتشف المرأة قيمتها من خلال عملٍ مهمٍ ثقافياً وحضارياً! لابد أن تكتشف قيمتها بحياديةٍ بعيداً عن الأمومة... ربما تفقد الأمومة بعضاً من ألقها وأهميتها بالنسبة لهذه المرأة، لأن تربية الأولاد لم تعد النبع الوحيد الذي تشعر بقيمتها من خلاله. لكن المحصلة أن هذه المرأة ستصير أماً ذات قيمةٍ بالنسبة لأولادها، وستقدم لابنتها مثالاً سليماً عن المرأة، فتتماهى الطفلةُ بأمها، وتصير امرأةً سليمةً في المستقبل من خلال أنوثة أمها... وكذلك لن تأخذ هذه الأم قيمتها من خلال ابنها، فيستطيع هذا الأخير أن ينمو كصبيٍ سليمٍ، دون أن يتعلق بأمه بشكلٍ مبالغٍ به...

    العمل يمنح المرأة قيمةً مستديمةً وليست عابرةً...

    وبالمقابل يصعب على المرأة العاملة أن تكون أماً. وإذا فضلت امرأةٌ أن تكون مديرة معملٍ على أن تكون أماً فهذا سيسبب الإحباط لطفلها الذي ستنجبه في المستقبل... رغم ذلك فأنا أقول أنَّ بإمكان المرأة أنْ تعمل وتكون أماً في ذات الوقت إذا عرفَتْ كيف تنظم وقتها وتحدد نسلها. فإذا أنجبَتْ المرأةُ أربعةَ أطفالٍٍ فإنها لن تستطيع أن تعمل لمدة خمسةٍ وعشرين عاماً. ووفقاً لقانون التقاعد المبكر فإنها لن تعمل أبداً بعدها. أما إذا أنجبَتْ طفلاً واحداً أو طفلين فسيمكنها أن تضعهم في الروضة متى بلغا السنة الرابعة من العمر، ومن ثم تعود إلى العمل مجدداً.

    لابد من الحوار بين الزوج والزوجة في ما يخص هذه الأمور، للتوصل إلى قرارٍ مشترك. ويفضل أن تحصل الزوجة على دعم زوجها في هذا المضمار!



    س5:

    ألا تظن أنَّ جيلَ اليوم جيلٌ مثقفٌ وواعٍ ويعرف ما يريد، ويشعر بقيمته أكثر من الأجيال السابقة؟



    الجواب..

    لست واثقاً من دقة هذا الكلام! فمازالت الأمهات يفرطن في تعلقهن بأبنائهن وخاصةً بالابن الكبير... لابد من حدوث تطور عن الماضي بكل تأكيد. فأمهات اليوم قد خضن حياة العمل أكثر من أمهات الأجيال السابقة. لكن هذا لا يعني أن المشكلة قد انتهت، خاصة في ظل الضغوطات الجديدة المنتشرة في مجتمع اليوم. وأهم هذه الضغوطات هي الضغوطات المادية، فالغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار ساهم في تعميق الطبقية في مجتمعنا. والأخطر من ذلك أنه جعل مجتمعنا ينظر إلى الواقع والحياة من منظورٍ ماديٍ بحت! فلماذا يرغب الأولاد باستمرارٍ بتبديل هواتفهم النقالة؟ أليس لأنهم يشعرون بقيمتهم من خلال التغيير المستمر؟ أليس لأننا نظنُّ - نحن الذين نشتري لأولادنا هواتفهم النقالة - أن المادةَ هي التي تُشْعِرُ الولدَ بقيمته؟

    ليس بالضرورة أن تكتشفَ الأجيالُ اللاحقة قيمتها أكثر من الأجيال السابقة... وهذا منوطٌ بشكلٍ رئيسيٍ بدور الأم بالتربية على الاستقلالية منذ الطفولة الباكرة، وهذا شرطٌ ضروريٌ كي يكتشف الطفل قيمته!



    س6:

    لقد حدثتنا اليوم كيف يعطي المرءُ قيمةً لنفسه. لكن ألا يمكن أن يعطي نفسه قيمةً أكثر من اللازم فيصاب بالغرور؟



    الجواب..

    لا وبكل تأكيد. فالمغرور لا يشعر بقيمته الحقيقية! الغرور مجرد قناعٍ ليس إلا، يعوض به المغرور عن نقصه، ويخفي وراءه إحساسه المؤلم بأنه عديم القيمة! لكنه لن يحتاج إلى الغرور إذا اكتشف قيمته الحقيقية في العمق.

    فكيف أساعد المغرور على أن يكتشف قيمته الحقيقية ويقبل ضعفه؟

    لن أستطيع ذلك، إلا إذا طلب مني المساعدة. وهنا يمكنني أن أؤثر على محيطه وأطلب منهم أن يتعاطفوا معه ويساعدوه أيضاً. والمهم أن أجعله يعي وجود الضعف النفسي وراء موقفه الخارجي هذا. فهو كغيره لابد أنه محرومٌ من أشياءٍ كثيرةٍ، كالحنان والتفهم والإصغاء، فليس عوزُ المالِ بالضرورة السببَ الوحيدَ للشعور بالحرمان. أما إذا وضع نفسه موضع تساؤلٍ، وتمعن في الأسباب الحقيقية لعدم قبوله لنفسه ولضعفه كما هو، فسيمكنه أن يتحرر من قناعه هذا، وسيمكنه أن يكتشف قيمته الحقيقية!



    س7:

    لاحظت أنك تشجع على ممارسة اليوغا، رغم أن العديد من الناس يحاربون ممارستها، ويدعون أن من يمارس اليوغا يقع تحت تأثير القوى الشيطانية! فما هو ردك عليهم؟



    الجواب..

    أنا شخصياً أمارس اليوغا، وأعرف العديد ممن يمارسونها. ولم ألاحظ يوماً أن أحداً ممن يمارسونها وقع تحت تأثير القوى الشيطانية المزعومة، أو أن الشيطان يدخل في الإنسان الذي يمارس اليوغا! وعلى النقيض من هذا الكلام، نجد أن اليوغا تساعد الإنسان على الابتعاد عن الشر، وربما تساعده أكثر من الطقوس الروحانية المسيحية لدى البعض! تماماً كما أن بعضكم لا يستمتع بالقداس وفق الطقس اللاتيني أو الأرثوذكسي، لكنه يفضل الطقس الماروني أو البيزنطي ويستمتع به. هناك حريةٌ في الدنيا! وبعض الناس لا يشعرون بالسلام من خلال طقسٍ معينٍ، لكنهم يشعرون به من خلال طقسٍ آخر. من الممكن لبعض التعقيدات أو العثرات أن تخدر الإيمان، في حين تنعشه بعض الفسحات الأخرى! فما الذي يمنعنا من تجريب وقبول الأدوات الجديدة التي يجلبها الانفتاح إلينا مثل اليوغا؟ فربما ألتقي بالله من خلال ممارسة اليوغا كما يلتقي به غيري من خلال روائح البخور!

    اليوغا عبارة عن مجموعة تمارين رياضية ترفع التركيز. وربما لا تناسب بعض الأشخاص لكنها ستناسب غيرهم. وربما هي لا تناسبهم لأنهم رأوها من الخارج فقط، ولم يختبروا مفعولها في العمق إذ لم يجربوها. وآخر ما سأضيفه في هذه النقطة، أنني إذا أرغمْتُ نفسي على ممارسة اليوغا فلن ألتقي بالله من خلالها! فلابد أن أمارسها بحريةٍ دون أن أضغط على نفسي، إذا أردت أن أختبر مفعولها الحقيقي في أعماقي...



    س8:

    صديقتي خريجةٌ جامعيةٌ وهي تعمل، وقد تزوجت وأنجبت عدة أطفال، لكنها مع ذلك لا تشعر بقيمة نفسها، وترغب بأن تحصل على شهادة دكتوراه كي تشعر بقيمة نفسها. فما السبب برأيك؟



    الجواب..

    غالباً توجد هنا مشكلةٌ ما أو عدم انسجامٍ مع الزوج. ولابد من دراسة علاقتها بزوجها كي نفهم الوضع تماماً. كما لابد من دراسة أمومتها لأولادها، فالأمومة عادةً تشعر المرأة بقيمةٍ كبرى!

    أما إذا كانت شهادة الدكتوراه هي أكثر ما يشعرها بقيمتها، فلماذا لم تحصل عليها قبل زواجها؟ لماذا لم تحسب حسابها مسبقاً؟ ومع ذلك، فلتحاول الحصول عليها إذا أمكنها ذلك. لكن قبل ذلك يجب أن تضع تعلقها هذا بشهادة الدكتوراه موضع التساؤل: هل توجد عندها رغبةٌ ملحةٌ وقهريةٌ للحصول على هذه الشهادة؟

    إذا أجابت عن هذا بالإيجاب، فلابد أنها تحاول التعويض عن شعورها بالنقص من خلال الدراسة والشهادات! والحل أن تقبل وجود النقص في حياتها كأي إنسانٍ عاديٍِ... فإذا بقيت لديها الرغبة بالحصول على الدكتوراه بعد قبولها لنقصها، فلتحاول الحصول عليها. لكن عليها أن تنقي دوافعها قبل ذلك...

    وعلى كل حالٍ، لن نستطيع الحصول على كل شيءٍ في هذه الحياة... ليس باستطاعتنا أن نحقق كل شيءٍ في حياتنا. والكثير من اختياراتنا، قمنا بها وعشناها لأننا لم تُتَحْ لنا الفرصة لاختياراتٍ أخرى...



    س9:

    هل تعلق الأم بابنها أقوى من تعلق الأب بابنته؟



    الجواب..

    لدى الأم والأب الإمكانية ذاتها للمبالغة بالتعلق بالأبناء! لكن إجمالاً، يكون ميل الأم إلى ابنها أكبر من ميل الأب إلى ابنته، نظراً إلى أن الأم لا تحس كثيراً بقيمتها الحقيقية. وهي غالباً لا تمتلك إلا ابنها لتحس بقيمتها من خلاله...

    ومع ذلك، فالآباء يبكون ليلة زواج بناتهن! لكن التعلق ليس نفسه على أية حالٍ...



    س10:

    هل أستطيع أن أحس بقيمتي دون أن أهمل قيمة الآخرين من حولي؟



    الجواب..

    تأكيد: إذا أحسست بقيمتي الحقيقية، فسأكون مرتاحاً مع نفسي كما أنا في حقيقتي. وعندها سأستطيع أن أعي قيمة الآخرين الحقيقية، وأنتبه إليهم كما هم في حقيقتهم!

    أما إذا لم أحس بقيمتي الحقيقية، فلن أكون مرتاحاً مع نفسي. وعندها سأنتبه إليهم، لكن ليس إليهم كما هم في حقيقتهم، بل سأنتبه إليهم لكي يساعدوني ويعطونني ما يجعلني أحس بقيمتي!

    عن جمعية حلب للتعليم المسيحي
    منقوووووول
    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 125
    اهلا بكم ...مايكل اسعد : 0
    تاريخ التسجيل : 28/01/2010

    كيف اعطى قيمة لنفسى Empty الصداقة

    مُساهمة  Admin الخميس يناير 28, 2010 6:27 pm

    الصداقة: ظروفها وخواصها



    مقدمة: [1]
    في حياتنا اليومية يعتاد الإنسان على الالتقاء بالآخرين، فمثلا في مجال العمل هناك بعض الأمور التي تحتم عليه الالتقاء بالآخرين و التحدث معهم في أمور مشتركة، وأيضاً في أوقات الفراغ، ومن هنا تنمو الصداقة بينهم، فكل منهم مهتم بما للآخر ولتقدمه … لقد أصبح من الصعب النظر إلى الصداقة كفضيلة .. فكيف تكون عادة جيدة بناءة فيما بينهم؟

    وعن أقوال القديس توما الأكويني:" الصداقة من الفضائل لأنها عاده نابعة من داخل الإنسان وتندرج تحت مظلة العدالة حيث أنها علامة على المشاركة بين الآخرين، ولكنها تختلف عن العدالة في أن العدالة تنظر إلى الصداقة على أنها استقرار قانوني و لكن أساسها أخلاقي وللصالح العام دائماً وبالتالي فنحن نناقش هنا العاطفة غير الهادفة … للجميع " .

    فقبل النظر إلى كيفية تعليم الصداقة يجب أن نوضّح شيئاً هاماً، ففي وصفنا للصداقة في البداية أشرنا إلى بعض الأمثلة للالتقاء بالآخرين و التي هي روتينية تحدث يومياً بين الناس. ولكننا لم نستوضح هل هذه الأمثلة هي الطريقة الوحيدة للالتقاء بالآخرين أم الشخص الذي ينشغل في هذه اللقاءات لا يحتاج إلى خواص اجتماعية أخرى؟! بمعني آخر، هل تنشأ الصداقة بين اثنين ذوي تصرف غير أخلاقي؟ فالصداقة تنشأ من الصلاح وتنمو كما ينمو الصلاح داخل الإنسان. فهذا النمو بالتالي يجعل الإنسان محبوباً أكثر ولديه قدرة أكبر على العطاء والحب. وهكذا فغير الصالحين ليسوا فقط أشرار و يجتمعون لأنهم أشرار بل لأن بداخل كل واحد فيهم هناك الصلاح والذي يستجيب إليه الآخرون. وبالتالي لا توجد الصداقة حيث لا يوجد صلاح.

    يجب آلا ننسى أن الصداقة في مفهومها تعني ارتباطاً شديداً أو علاقة وثيقة. وبالتالي فالإنسان العادي لا يمكن أن تكون لديه صداقة وثيقة إلا إذا أكتشف مدى المحبة وتعلّم كيف يُشارك الآخرين. ومن هذا المنظور يجب أن نُفرّق بين الصداقة وبعض الأشياء الأخرى التي قد تكون مرتبطة بها:" فالروح الاجتماعية تمتد لكل الناس، المحبة بين الجار والجار، للناس المحيطين بنا، والصداقة بين الصديق والآخر". ولكن في الحياة العملية من الصعب أن تنشأ الصداقة إلا إذا تدّخل الشخص في مصالح عامّة مع الآخرين، فالمقصود هنا هو اكتساب فضيلتي المحبة و الصداقة و تطبيقها على جميع الناس حسب الصلاح المسيحي، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل قلوب الناس تحرّك مشاعرهم وبالتالي تتطور إلى صداقه.



    1. الصداقة : ظروفها و خواصها

    في حياتنا اليومية نجد أن الكبار يشتركون في كل أنواع العلاقات الإنسانية المرتكزة على العمل أو النشاطات المختلفة في أوقات الفراغ والتي قد ينتج عنها استمرار العلاقات أو إيقافها. فعلي سبيل المثال يمكننا دعوة زوجين قد سكنا بالقرب مؤخراً، ومن خلال المحادثة نحاول معرفة ما هي الموضوعات المشتركة فيما بيننا وبالتالي نتبادل الآراء والانطباعات، فيمكننا التحدث عن الأطفال ومدارسهم، وبعض المناطق المختلفة في البلد … الخ. و يبدو أيضاً أنه من الطبيعي اكتشاف ما يعجب الآخرين وما عملهم ( مع العلم بأن بعض الناس ليس لديهم مصلحة في معرفة الآخرين أو حتى الالتقاء بهم وقد يرجع ذلك إلى الكبرياء أو الخجل ) وبالتالي فمن الشروط الأساسية لأي علاقة صداقة وجود شئٌ مشترك بين الأفراد والذي يتضمن وجود بعض الصفات أو الطباع مشتركة بينهم بالإضافة إلى القبول المتبادل بين الطرفين، وإذا نتج عن ذلك نمو لعلاقة أعمق وانضج، إذا فُهم على استعداد تام للمشاركة في الخبرات، والمشاعر، والأفكار وأيضاً آمالهم في الحياة.



    فأبنائنا يصادفون مواقف من هذا القبيل، في المنزل، في المدرسة وفي الأندية بالنسبة لصغار السن، فليس كل معارفهم هم أصدقائهم، حتى ولو اشتركوا معهم في العديد من الأنشطة .هكذا عندما نضع مسألة السن في الاعتبار، نجد أن العلاقات ستتفاوت في مدى عمقها أو مفهومها وذلك عندما نأتي لتنظر إليها على أنها مجرد صداقه ‍‍‍‍‍! فهل يمكننا مثلاً أن نطلق كلمة صداقة على العلاقة بين الأباء والأبناء، أو حتى بين الصبية و الفتيات الصغار؟!

    هنا سوف يختلف المفهوم الأساسي للصداقة، فهي لم تعد مجرد مشاركة في بعض الأنشطة أو التعرّف على أحد وعلاقة لمدة طويلة .. فالصداقة تحتم بعض الاتصال والذي قد ينتج عن عمل طويل أو اجتماع مدته نصف ساعة . فهي ارتباط روحي حرّ يجمع كل المشاعر القوية الخلاّقة و المتبادلة للمحبة لدى الإنسان، فهي اتصال خالٍ من أي جنس، أو غريزة أو اشتهاء للجسد .




    وبالتالي نجد أنه من الممكن تكوين علاقة صداقة بين الأباء وأبنائهم، بل بالأحرى تتعدى العلاقة أكثر من الصداقة والمشاعر المرتبطة بها. فكلّما كان هناك اتصالٌ دائمُ بين أفراد الأسرة بحيث يحاول كل فرد فيها مساعدة الآخرين على النمو، هنا تنشا الصداقة. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار ببعض الأباء الذين يعملون على معرفة أخبار أبنائهم و مساعدتهم ومساندتهم بدون اعتبار لرد فعل للابن إلا أن ذلك لا يندرج تحت الصداقة. ففي الغالب يتّفق الجميع، أنه من المهم أن يكون الأباء أصدقاء لأبنائهم بحيث يقدر الأبناء على الإدلاء بأدق تفاصيل حياتهم مع حفظ السرية، ذلك سوف يُنشأ جواً من الثقة المتبادلة والاتصال فيما بينهم. وهكذا لا يقدر الأباء أن يفرضوا الصداقة على أبنائهم، بل يقدرون أن يصادقوهم في حالة وجود رد فعل أو بإرادة أبنائهم، وأيضاً عن طريق محاولة الحصول على تجاوب منهم، ولهذا يجب أن يرى الأبناء الأشياء الجيدة في الأبوين لكي يستطيعوا أن يستجيبوا لهم. فعندما يبدأ الابن بالاهتمام بشخص والده، يمكنه أن يفعل ذلك كابن أو كصديق. فكلا الطريقتين تكملان بعضهما البعض، ولكن يلزم أن نؤكد أن فكرة البنّوة قائمة بين الأب و الابن حتى ولو لم ينجحوا كأصدقاء.



    أما عن العلاقة بين الولد والبنت، فهي تُشكّل نوعاً آخر من المشاكل. فمن مراجعة تعريف الصداقة الذي تحدثنا عنه في البداية، نجد أنه من الطبيعي أن تنشأ علاقة صداقة بين الولد والبنت، فهو على اتصال دائم، كما يمكنهم أن يتبادلا الإعجاب بصفات بعضهم البعض ومن هنا تنشأ العلاقة.ولكن يحدونا أن نُشير إلى أنه عندما يأتي الموضوع في حدود جنسين مختلفين، تطرأ بعض الأمور الأخرى، فقد تحملهم مشاعرهم ( مشاعر الإعجاب والانجذاب والميل للجنس الآخر ) إلى حدوث التقاء جسدي فيما بينهم، وبالتالي إن لم يتمكنوا من ضبط أنفسهما فليتزوجا[2]، وإلاّ فيتشبهون بالحيوانات التي تمارس الجنس فيما بينها بشكل غريزي محض ولا حكمة لديها أو إرادة في التحكم في مثل هذه الأمور، فهم يمارسون الجنس كغريزة عمياء بدون أي حدود أو روابط اجتماعية. وهكذا يمنع الزواج من وجود أي علاقة غير سوية أو قانونية اجتماعيا، فهو يحترم الارتباط بين أي أثنين ويعطيهم الحق في أي ارتباط صحيح يحدوه الصرامة، والاحترام المتبادل بينهم بل واحترام المجتمع لهم ويضمن لهم العفة والطهارة.

    The whole Raison of Being of man and woman is obvious from ( Gen.
    1: 27 – 28) "God created man in the image of himself, in the image of God he created him, male and female. and God blessed then and said unto them,Be Fruitful and multiply and replies the earth ".




    وبالتالي تُلزم العلاقة الشخصية مع إنسان من الجنس الأخر في سن صغير إلزام نفسه كلياً وجسدياً وروحياً. فالشاب الذي لديه المبادئ الصحيحة يستطيع أن يُفرّق بين النقيضين وقد يعي إنه قد يقدم على علاقة خاطئة لها عواقب سيئة أو مخاطر. ولذلك فعندما يشعر الشاب إنه قد توافق مع فتاة يريد حقاً الارتباط بها، لابد أن يكون ذلك على أساس أنه يفكر فيها كشريكة حياته، وبالتالي يُعاملها بكل احترام لأنها ستكون شريكه له في مؤسسه الزواج التي يباركها الله. وبالتالي إن لم يسمُ بعلاقته بها فوق مستوى الغريزة فسيُؤدي ذلك للخطأ و لن يدفعه ذلك إلى ممارسه الجنس قبل الزواج، بل ستكون أفكاره أنقي وأكثر احتراما بكثير فيما يخص شريكة حياته.


    وعلى النحو الآخر، نرى أن كلا الجنسين يُمكنهم أن يتلاقوا في بعض الأنشطة، وذلك إذا كانت موضوعات هذه الأنشطة بنّاءة، مثل المذاكرة من أجل الامتحان، فهذه ليست صداقة ولكنها زمالة، وكل ما يجب عليهم فعله هو أن يضعوا في فكرهم الحدود اللائقة في هذه العلاقة بينهما .ولعل سوء فهم العلاقة بين الجنسين يرجع إلى تنشئة الأطفال من خلال جنس واحد، وبالتالي عندما يصطدموا بواقع وجود جنس آخر يجب التعامل معه، وقد يسيئوا فهم هذه العلاقة، وذلك لسبب بسيط جداً وهو إنهما لم يُوجهوا من البداية من ذويهم، ومن مدرسيهم. ولهذا يجب أن يتدرّب الأطفال على كيفية استخدام عقولهم وإرادتهم لأن الكبت المُسبب من الأهالي

    قد يُؤدي بهم إلى فهم خاطئ للأمور وخاصة من الجنسين ولهذا تصير العلاقة بين الرجل والمرآة في أي مجتمع علاقة مريضة وليست علاقة طبيعية مثلما بين الأخ وأُخته أو الزميل وزميلته. …



    2. الصداقة في مختلف الأعمار

    لا أقصد بذلك البحث في سيكولوجية وتكوين العلاقات الإنسانية في مراحل العمر المختلة، ولكني أريد أن أتعامل مع بعض العوامل الأساسية من وجهه نظر الأباء.فعندما يأتي الأباء لكي يسألوا عن أبنائهم وعن مدى تفاعلهم بين زملائهم ، نلاحظ هنا أنهم لا يسألون في هذه المرحلة عن الصداقة بشكل أساسي، وإنما مدى تفاعل الطفل/ الطفلة مع الآخرين، فهل هناك علاقة أخذ وعطاء ومحبة في لعب مع بعضهم مع البعض. ففي هذه المرحلة يبدأ الطفل في تكوين علاقته بالآخرين وبالتالي يتعرّف على شخصيته ودوره من خلالهم ويبدأ في إطاعة قواعد العب، وهكذا فهو يتعلم كيف يكون إنسان اجتماعي. وبالتالي فأهم شئ في هذه المرحلة هو أن يتعّلم كيف يندمج مع جماعة من الأصدقاء ! فهناك بعض الأطفال الذين يشتركون في لعب كرة القدم، التحدث، واللعب بالبلي،ّ لهذا فهم يطلقون على أنفسهم أصدقاء، حيث يجمعهم عمل واحد أو نشاط واحد.



    لكن أصعب التعاملات تكون مع الأطفال ذوي الصفات الخاصة، فهناك الخجول الإنطوائي، والذي لا يُحب مشاركة الآخرين، والمدلل، والذي لا يجد من يخضع لأفكاره أو حتى يُشاركه اهتماماته …وبمرور السنين نجد أن الجماعة التي كانت تشترك في نشاط واحد، تجمعهم اهتمامات واحدة، يبحثون عن أصدقاء أكثر قرباً والذين يثقون فيهم في مرحلة ما قبل المراهقة. وبالتالي تصبح للجماعة أهميتُها، ولكن الطفل يقدر الآن أن يُميّز بين من هم زملاؤه وأصدقاءه. فهو لم يتعلم بعد كيف يكون له دور إيجابي في العلاقات التي حوله وفي بعض الأحيان تكون الصداقة ما هي إلا فرصة للتعبير عمّا بداخله من مشاعر. بعد ذلك نأتي لمرحلة الاعتماد على النفس والاستقلال عن الأباء، فالشاب يحاول التعرّف على العديد من الناس والذين تجمعهم مصالح واهتمامات مشتركة، والذين يطلق عليهم أصدقاء، فهم يجتمعون للمذاكرة، والذهاب في رحلات استكشافية. وبمرور الوقت يستطيع أن ينتقي أكثر ويكون اختياره أكثر نضجاً، حيث يفرق بين العلاقات العامة والعلاقات المرتبطة بأصدقائه المحدودين والذين هو ملتزم نحوهم من جانبه. فليس من العادة أن يكون للمرء العديد من الأصدقاء. فالطبيعي أن يكون لديه بعض المعارف وبعض الصداقات القائمة معهم والتي من خلالها يُشاركهم في بعض جوانب الحياة …

    3. الصداقة و فضائل الإنسان الأخرى

    لقد اتفقنا إنه حيث لا توجد فضائل، لا توجد صداقة. وبالتالي فالنمو الكلي للفضائل الإنسانية هام جداً بالنسبة للصداقة، فعلي سبيل المثال:

    · الوفاء فضيلة من الفضائل التي تُساعد الإنسان على قبول الروابط المختفية وراء علاقة الصداقة نحو صديقه، مع مرور الوقت تعمل على تقويمه وحماية الفضائل الأخرى التي تبني الصداقة. العطاء والسخاء يُساعدان كثيراً في تقديم المعونة لصديق يحتاج للنمو.

    · التواضع سوف يتحكم في مدى علاقته وقربه من صديقه،

    · التفاهم سوف يُساعده على تفهّم العوامل الأخرى التي تؤثر على موقفه.

    · الثقة والاحترام قد يؤديان به إلى إظهار بعض الاهتمام بصديقه، يُظهر له ثقته فيه، وفي قابليته للتحسّن.


    ولكن المشكلة الوحيدة هنا هي كيفية تحميل أبنائنا على أخذ هذا النوع من الشخصيات كأصدقاء واستمرارية الصداقة !ومن جهة أخرى، قد تكون المشكلة فيما يُسمّى " التأثير الخطأ " وذلك يعني أننا لابدّ أن نكون واقعيين ونعرف انه ليس هناك فائدة من الاستمرار في حماية الطفل من التأثيرات الخارجية لأن في مرحلة من المراحل سوف يضطر لمواجهتها بنفسه ولكنها في هذا الحين سوف تكون أشد وأكثر ضرراً و ذلك لأنه لم يكن على استعداد تام لها أو لديه أدنى خبرة بها، ولكننا هنا لا نُشجّع على ترك الأطفال تماماً دون توجيههم، ظناً إننا لن نقدر أو لا يجدر بنا أن نُساعدهم.


    فمن الصعب أن يُؤثر أحدٌ أو أي شئ على إنسان له شخصية ذات مزايا وفضائل صحيحة. وإنما أسوأ تأثير هو الذي ُيحدث تغييراً جذرياً في مبادئه وينتج عنه دمار وبُعد كامل عن الحقيقة، أو بمعني أخر التأثير السيئ يساعد على نمو الرذائل عن الفضائل، بالتالي فالتأثير المُؤقّت يُحدث تغيراً طفيفاً ولا يُحدث تغيراً كبيرا في شخصية الطفل، وبالتالي إذا تقبّل الطفل مثلاً مسألة الإجهاض وهو مقتنع بها، لن يكون لذلك أساس ولكنه بمرور الوقت سوف يعرف ويختبر هذه الآراء التي أتخذها وذلك لأن هذه الموضوعات تحتاج إلى احتكاك بالعالم الخارجي وهو لن تُتاح له ذلك إلا عندما يكبر. ولكن في نفس الوقت انتقلت إليه هذه الفكرة وبالتالي سوف يؤثر ذلك على أسلوبه وتصرفاته وهنا تكمن خطورة الموقف. لذا نجد أن أخطر أنواع الصداقة هي التي يُمارس فيها أحد الصديقين تأثيره على الأخر واعتماده عليه، والأخر لا يفعل سوى قبول هذه التأثيرات دون استخدام لمبادئه وما نشأ عليه. و لهذا يجب أن يبقى الأباء على علم دائماً لما يحدث لأبنائهم وعلى علاقة الصداقة التي تنشأ بينهم وبين الآخرين، فهم لم ينضجوا بعد، ويتظاهرون بأنهم واثقون من أنفسهم مع أن كل مبادئهم خاطئة. كما يجب معرفة نوع الأنشطة التي تجذب أبنائهم في الصداقة مع الآخرين.



    وأخيراً، يجب على الأباء أن يُراعوا أبنائهم المراهقين والذين لا يعرفون كيف يدخلون في علاقات، والذين يُغيّرون أصدقائهم بصورة متكررة دون سبب محدد، و الذين لا يهتمون بمعرفة ما يريدون أو ينتظرون مما يصادقونهم منفعة ما، فالصداقة تتطلب الخدمة، والطفل الذي لم يتعلّم كيف يخدم أو يساعد الآخرين، سوف يجد صعوبة في إنشاء أي صداقات تعتمد على النمو المتبادل.



    ولكننا إلى الآن لم نجب على التساؤلات التي طرحناها في البداية وهي:" كيف يمكننا أن نجعل أبنائنا يختارون الصديق المناسب؟ فالطفل يختار من يجده جذاباً لديه، وهذه الجاذبية تعتمد أساساً على الفضائل التي ربّى الأباء أبنائهم عليها في المراحل الأولى من حياتهم. فإذا كانت لديهم حياة هادئة، ناعمة، ساعين دائماً وراء لذات سطحية، فسيبحث عن صديق يلبي لديه هذه الملذات. والعكس إذا قامت المعاملة على العطاء والمحبة، فسنجد أن الأطفال سيأخذونها في الاعتبار عند اختيارهم لأصدقائهم. فيجب على الأباء توجيه أبنائهم فيما يختص بأنواع الأنشطة التي يشتركون فيها ، وهم على وعي كامل بأن أي نشاط يشتركون فيه أو أي مجموعة ينضمون إليها، أن أغلبية المشتركين يصلحون أو لا يصلحون للصداقة، ويجب لفت أنظارهم إلى بعض السلوكيات غير اللائقة التي يسلكها بعض الطلبة للتأثير على زملائهم بالتدخين أو مغازلة الفتيات وجرح حيائهن. وعلى الرغم من ذلك فأن المجموعة التي تبدو الأفضل، تبدو معظم الوقت مملة ولا تُطاق، وهنا يأتي دور الأباء في تجهيز وترتيب النشاطات المختلفة التي تُبهر وتُثير اهتمام أبنائهم، والتي قد تخضع لحاجاتهم بالإحساس بروح المغامرة واهتماماتهم الفنية واهتمامهم ببعضهم.وبهذه الطريقة نستطيع أن نضمن للشباب أن اختيارهم لأصدقائهم سيتم على أسس سليمة، كما يجب على الأباء إرشاد أبنائهم لأن يكونوا أصدقاء مهتمّين بالآخرين، كزيارة الصديق إذا كان مريضاً، وإسعاده إذا كان حزيناً، ومساعدته في أعماله إذا أحتاج لذلك، ومشاركته في أسراره والبقاء معه لفترات طويلة، وليس التقرّب للصديق وقت الدراسة فقط إنما أيضاً في الإجازات، فإذا كان بعيداً، نرسل له بطاقات معايدة أو نتصل به فهذا التواصل هو الذي يساعد على استمرارية الصداقة طوال الحياة حتى النهاية.

    4. دور العائلة تجاه ذلك

    في بعض الأحيان تحول الحياة العائلية دون تكوين أي صداقات، وقد يظن الأهل إنه من الأفضل أن يمكث الابن والابنة معهم بدلاً من الخروج مع الأصدقاء و الذهاب معهم في رحلات، ولكن ذلك خطأ.فمن المفيد أن نقُم بعمل رحلات عائلية أو نشاطات عائلية لكن يجب أن يكون للطفل أو الشاب ذوقه الخاص في اختيار أصدقاءه الذين يحبهم ورفقاءه إلى جانب الحياة العائلية. ولكن المسئولية تقع هنا على الأباء، فهم يُريدون لأبنائهم أصدقاء ولكن في نفس الوقت يُريدون التأكد من صحة هذه الصداقات، من خلال استعدادهم لقبول فرد أخر في العائلة من أصدقاء وزملاء. فليس من حق الأباء التدخل في شئون أبنائهم الخاصة وعلاقاتهم بأصدقائهم، ولكن يجب عليهم تهيئة الجو الملائم والمناسب لكي يتعرّفوا على أصدقاء أبنائهم. وهنا يجب ألا يحكموا عليهم بمظاهرهم الخارجية فقط أو ما يرتادون. وإذا لاحظ الأباء شيئا خاطئا أو معيبا في الصديق فكلمة " لا " ليست الحل دائماً فهي تؤدي إلى التمرّد ولكن بالهدوء والإقناع، ‍‍‍‍وإن لم يحدث الفض بالاقتناع سوف يؤدي بالأبناء إلى الانحراف عن المعنى الحقيقي للصداقة و عن جوانبها و أسسها الحقيقية و هكذا يصلون إلى حقيقة الأمور … و على نحو أخر ، فالمنزل هو المكان الوحيد الذي يشعر فيه الأبناء بالأمان ، فقد يختبرون علاقات مع الآخرين قد تؤدي بهم إلى خيبة أمل و لكنهم سوف يعيدون ذلك باستعداد أحسن فيما بعد المجتمع لعلهم إنهم مقبولون في بيتهم من الأساس . و لهذا يجب على الأباء أن يفتحوا أحضانهم دائماً لأولادهم مرحبين بهم في أي وقت ، فالعلاقة بين الأب و الابن / الابنة هي أعمق من الصداقة و لهذا يكون الأباء أكثر تفهماً لأبنائهم من أي أحد أخر . ولكن يجب التلميح في أن الأب و الأم لا يمكنهم إبدال الأصدقاء بعلاقاتهم مع أبنائهم فهم مجرد أباء و أمهات فقط …

    5. الأباء والأمهات كمثال للصداقة

    يُركّز بعض المتزوجين على حياتهم الاجتماعية كأسرة فقط، ولكن هناك البعض الذي يرتبط بالنوادي

    والأصدقاء، والبعض الأخر لا يفكر حتى في الأصدقاء ظناً منهم إنه لا يوجد وقت لذلك. وآخرون يتقابلون بالناس من خلال العمل فقط. وقد تكون هناك مشكلة بين الزوجين، فربّما الصديق التي تميل إليه الزوجة لا يقبله الزوج، والعكس صحيح، وهنا يجب علينا أن نميّز بين الصداقة وبين علاقة الزوجين بعضهم ببعض، فالصداقة بين أثنين تختلف تماماً عن الارتباط بين اثنين. وهكذا يجب أن يري الصغار والديهم في تمام الإستعداد للارتباط أو لمساعدة الغير، أو للعطاء حتى ولو تطلّب ذلك بعض المجهود، لأن هذه الأشياء تجعل للصداقة معنى كبيراً. فالأباء الذين يُكونون صداقاتهم من خلال أنشطة اجتماعية سطحية، يُؤثرون على أبنائهم تأثيراً خاطئاً بحيث يظنون أن الأصدقاء مجرد أدوات نستخدمها [3]لكي نحصل من خلالها على لذات شخصية. كما أن دعوة الآخرين إلى المنزل، والتعامل معهم بلطف، ومن خلف ظهورهم ننتقدهم فيؤثر ذلك على الأطفال ويتخذون نفس الطريقة الخاطئة في التعامل مع أصدقائهم.



    وبمعنى أخر، نحن نطلب من الأباء أن يكون لديهم إحترام كبير للأشخاص الذين يتعاملون معهم، وان يكونوا متوازنين في آرائهم والمواقف التي تشكل آرائهم، بدلا من انتقادهم. كما يجب عليهم أيضاً أن يُلزموا أنفسهم تجاه العديد من الأشخاص حتى تتكون لديهم المعاني الحقيقية للصداقة والتي بتواجدها تعني الجانبين، الفردي والعائلي.

    6. الاستنتاجات

    تستلزم الصداقة شروطاً خاصة، فهي التقاء بين الأفكار، والمشاعر، والشهوات وبالتالي تكون مُشاركة للمبادئ الأساسية، مع أنه في بعض الأحيان يكون للبعض وجهة نظر جذرية مختلفة. ولكن إذا كان هناك احترام، ومرونة، وتعطش حقيقي من كلا الجانبين لمعرفة الحقيقة، فسوف تنشأ بينهم صداقة قوية. وأن لم يكن هكذا الحال، فستتعرض العلاقة إلى العديد من العوائق، وستختفي المشاعر المتبادلة بسهولة وتتحول إلى علاقة إمتلاكية يستخدم فيها أحد الطرفين الآخر كوسيلة للذّة، وهكذا تصبح صداقة هشة ! والعكس صحيح، فالصداقة تنشأ قوية عندما يبذل كلا الطرفين مجهوداً مضاعفا لكي تتحسن وتقوي، على الأقل في الفضائل الإنسانية. فالصديق الطيب يطلب بعض الأمور من صديقه وعليه أن يتفهمها معه، ويكون مثالاً له ويخدم احتياجاته، و يجد بعض الوقت لكي يقضيه معه. ففي هذه الأيام نجد أنفسنا بخلاء في الوقت الذي نُكرّسُه للأصدقاء، ولكن ذلك لا يُعطى معنى للحياة، وفي نفس الوقت لاإنساني بالمرّة …


















    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] David Isaac, Character Building, Friends of the book foundation,Secound Edition, Nairobi 1996, P.230

    [2] هذا الكتاب مُخصص للشباب في كينيا، وهذه النقطة لا تتوافق مع حالة الشباب المصري، والكتاب مُترجم من كتاب فرنسي بعنوان "تربية القيم والفضائل الإنسانية"، الجزء الأول، الطبعة الخامسة لسنة 1981.



    [3] كلمة "استخدم" :استخدام موضوع عمل كوسيلة لبلوغ هدف ما، وتوحي الكلمة بتبعية العلاقة بين الوسيلة والذات الفاعلة، وهي علاقة تناهز الاستعباد: إذ إن الوسيلة تخدم الهدف والفاعل معا. (من كتاب حب ومسئولية للبابا يوحنا بولس الثاني ص17 ).





    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:55 am